(79) مصر… في الحج
لم يكن اشتقاق كلمة الكعبة من العظمة البارزة، على جانبي القدم بالأمر الغريب أو الأمر العجيب، فقد اشتق العرش والكرسي والقلم واللوح وشجرة المنتهى والبيت المعمور، من مكونات الشجرة، التي يصنع منها العرش والكرسي والقلم واللوح والبيت وغيره في عرف البشر.
وإذا كان كل هذا من أجل أن يقرب الله سبحانه وتعالى للبشر حقيقة هذه الغيبيات وينقلها إلى ماديات ملموسة يمكن تصورها، فكانت هذه الاشتقاقات الجمادية والنباتية، تستند على المعنى الغيبي للكلمة وتستمد منها قوتها ومعناها، فيتمكن الإنسان من فهمها واستيعابها، وتصورها في حدود وسائل الإدراك التي يملكها، حتى يكون على بينة من أمره.
اشتقاق كلمة الكعبة من العظمة
فإن الكعبة لها منزلة خاصة عند الله، لأنها تمثل امتدادًا للبيت المعمور في الأرض، وفيه يُحافظ على توازن الملأ الأعلى، وتحافظ الكعبة على اتزان الأرض، وفي نفس الوقت تهيمن على حركة الإنسان في الحياة، فتجعلها مستقيمة على منهج الله، استقامة كعبه وقدميه.
لذلك اشتقت الكعبة من كعب الإنسان، فعظمة الكعب وعضلاته وأربطته، تمكنه من الوقوف على قدميه، وتساعده في الحركة والنشاط في كل الأوقات، وتجعل حركاته مستقيمة في كل الاتجاهات، مما يحافظ على توازنه واتزانه عند مشيه على الأرض.
وحدوث خلل في وظيفة الكعب، بغيابه وعدم تكوينه أو ضموره أو اعوجاجه، يجعل الإنسان معوق، فلا يستطيع الحركة ويصبح عبئًا ماديًّا على نفسه وأسرته والمجتمع بشكل مادي، مثل العبء الذي يمثله الملحد والكافر والمشرك.
فلولا الكعب ما تمكن الإنسان من الوقوف على رجليه لحظة واحدة أو ممارسة نشاطاته المختلفة في الحياة بشكل إيجابي، ولولا وجود الكعب لأصبح الإنسان معوقًا غير قادر على إدارة شئون نفسه وأسرته والآخرين.
فالكعب (Malleolus) مصطلح طبي، في حالته التشريحية يمثل العظمة البارزة على جانبي القدم عندما تلتقى السّاق مع القدم، ولكل قدم كعبان، كعب داخلي وكعب خارجي، وكلاهما يعمل على استقامة الإنسان وحركته في الحياة.
فالكعب الداخلي (Medial Malleolus)، يكون نتوء هرمي عظمي قوي بارز ومحدد تحت الجلد على الجانب الداخلي من الكاحل، ويشّكل النهاية السفلية من مفصل الساق Ankle، و يستند الكعب الداخلي على عظمة أساسية قوية تسمي قصبة الساق (Tibia).
أهمية الكعب الخارجي
وأمَّا الكعب الخارجي (Lateral Malleolus)، فسطح مفصلي، ناعم ومقعر ويكون مفصل مع عظمة الكاحل القوية (Talus)، كما أنه يمثل بروز عظمي قوي على الجانب الخارجي منه، فيكون النهاية السفلية من الساق التي تستند على عظمة الشظية القوية (Fibula)، والحافة الأمامية خشنة منخفضة ومتصلة بالألياف الأمامية للرباط الدالي (Deltoid Ligament)، والحافة الخلفية بها أخدود كعبي واسع (Malleolar sulcus)، يتجه بميل إلى الأسفل في الاتجاه الخارجي، ويكون مزدوج في بعض الأحيان، ويتصل بأوتار العَضَلَة الظُنبوبية الخَلفية (Tibialis posterior muscle) والعَضَلَةُ المُثْنِيَةُ الطَويلَةُ للأَصَابِعِ (Flexor digitorum longus).
وقمة الكعب الخارجي خشنة منخفضة مرتبطة بالرباط الدالي، ويمر خلف الكعب الخارجي وتحته القيد المثنيي المثبت للقدم (flexor retinaculum of foot)، مثل وتر قصبة الساق الخلفية (Tibialis posterior tendon)، والعضلة الطويلة المثنية لأصابع القدم (Flexor digitorum longus)، وشرايين قصبة الساق الخلفي (Posterior tibial artery)، ومعها أوردة قصبة الساق الخلفية (Posterior tibial vein)، وعصب قصبة الساق الخلفي (Posterior tibial nerve)، والعضلة الطويلة المثنية المثبتة لأصابع القدم (Flexor halluis longus).
فالكعب يُمثِّل العمود الفقري للإنسان، في حركته ومشيه وقيامه وقعوده، واستقامة حياته في الحياة، لذلك كان التثبيت بالعظام القوية، وحولها أربطة وأوتار داعمة، وفيها شرايين وأوردة وأعصاب تمده بالحياة، ومن هنا كانت الكعبة رمز لاستقامة الإنسان في الحياة مثل استقامة كعبه، بكل وظائفه من المكون الجنيني والتركيب التشريحي والشكل الوظيفي في الخلايا والأنسجة والأعضاء والأجهزة، والعمل البيولوجي في إنتاج البروتينات والنشويات والدهون والفيتامينات والأملاح المعدية في وجود الإنزيمات، وعوامل المساعدة المختلفة، وغيرها من المركبات الكيميائية التي لا يعلم العلم عنها شيء يذكر حتى الآن.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، أن تكون الكعبة مركز الأرض، وسبب وجودها واتزانها، مشتقة من كعب الإنسان بما فيه من معنى استقامة الإنسان في كل شئون الحياة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر