مقالات

(67) نهر النيل في… الإسلام

كان تفسير يوسف لحلم الملك ورؤياه، ضربة قاضية ولكمة قوية قاصمة لظهر كهنة المعبد الفرعوني والإله آمون وتعدد الآلهة في مصر القديمة وعلاقتها بآلهة وأوثان مكة، فقصمت ظهر الوثنية في مصر وأنهت قيمة ووجود الآلهة عند ملك مصر وأحيت من جديد الإسلام، والإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى، والذي زرعه مصرايم بن بنصر بن حام بن نوح في مصر، بعد أن نقل التوحيد عن جده نوح عليه السلام.

كان كل ذلك واضح وجلي بعد نجاح يوسف عليه السلام في كسب ثقة الملك، الذي أول حلمه بشكل نقلي من عند الله وفسره بشكل علمي يتواءم مع طبيعة الأحداث، ومع كل ما يحدث في مصر من تغيرات متعلقة بنهر النيل، فالبقرات السمان والسنابل الخضر المليئة بالقمح، تدل على سبع أعوام خصبة، من ثمَّ فيضان نهر النيل بالماء، أمَّا البقرات الهزيلات والسنبلات اليابسات، فإنها تدل على سنوات القحط والجفاف، فلا ماء ولا زرع ولا حصاد.

تفسير يوسف لحلم الملك

هذه المواءمة بين حدوث الفيضان والجفاف في نهر النيل، تحتاج إلى روشتة علمية مستعجلة من عالم خبير، عوضًا عن أنه نبي فقيه ومحدث لتقديم العلاج في حالة الطوارئ القصوى، كما أنها تحتاج إلى فكر علمي عاقل ومدروس وفهم رصين واعٍ لأحوال مصر واستباط متميز ورزين وحكيم لحل معضلة الفيضان والجفاف، بعيدًا عن السذاجة والسطحية وقلة العلم وتمييع الأمور وهو ما قدمه يوسف عليه السلام لملك مصر بصفته عزيز مصر، فحمى مصر من الجفاف والقحط وأمن كل احتياجات شعبها من القمح.

كانت فكرة يوسف عليه السلام تنصب على وضع حلول عاجلة، قائمة على وضع معايير علمية من خلال مقايضة بين الحنكة والحوكمة في زيادة القمح ونقصانه، فلا تبذير في الزيادة وإهدار المتبقي منه بل الحفاظ على كل حبة قمح، ولا تقطير في حاجة الناس في الحصول على الطعام الرخيص في وجود القمح، دون اللعب على حاجات الناس في زيادة رغيف الخبز بحجة الدعم، بالرغم من الفساد العارم الذي تعوم عليه كل المؤسسات بلا استثناء.

وهذا معناه، زيادة الصلاح صلاحًا أو تركه على صلاحه، لذلك كان فكره في جوهره يعتمد على آلية توظيف الإمكانيات الذاتية المتاحة الموجودة على أرض مصر، بكل طاقتها الممكنة على أرض الواقع، ومن ثمَّ تعزيز ما هو موجود وقائم وليس إضافة جديد، إلَّا في الحاجة الضرورية القصوى إليه، لأنه لا يوجد وقت كافٍ لتضيع الوقت فيما لا يفيد.

حلول يوسف عليه السلام

فوصف يوسف عليه السلام، الداء وقدم الدواء، والذي ينصب بالدرجة الأولى على وضع النقاط فوق الحروف، والسعي الجاد والمثمر إلى تقديم الحلول البسيطة والسريعة والعملية الممكنة، والتي تأخذ في الحسبان وضع البلاد الحرج، من أجل خروجها من المأزق الذي وجدت فيه، ويعيشه الناس بأقل الخسائر الممكنة وأدنى الأضرار.

فكان الهدف المحوري من الداء والدواء، الذي عرضه يوسف عليه السلام ووصفه في روشته السحرية، حماية أرواح الناس وليس حماية منصبه وجاهه ودفعهم إلى الاستفادة من السبعة أعوام بمائها الزائد وسنابلها الخضراء في وقت الفيضان، مع الزراعة والادخار في أعوام النعمة والوفرة في سنابل القمح حتى لا يُصاب القمح بالعفن، لكي يأكل منها الناس في سنوات القحط والجفاف.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »