مقالات

(9) قيم… رمضانية

إذا كان الله سبحانه وتعالى قد خيَّر البشر بين الإيمان والكفر، بالرغم من نعمه التي تغمر المؤمن والكافر بفضله، فمن رحمة الله بنا وعطفه علينا أن جعلنا مسيرين في أمور لا نستطيع القيام بها مثل عملية الهضم والقلب والتنفس وغيرها من الوظائف التي تقوم بعملها الخلايا والأنسجة والأجهزة والأعضاء.

ولو خيرنا في عملها ما استطعنا متابعة ولا مراقبة عمل خلية واحدة من خلايا البنكرياس لإنتاج الأنسولين لحرق السكر في الدم بكل تعقيداتها العلمية والطبية ومن هنا كان التسيير نعمة من الله ورحمة على عباده جميعًا وسائر المخلوقات الأخرى القائمة على خدمته.

البشر مخيّرين بين الإيمان والكفر

وإذا كان الكافر قد اختار الكفر بالله بالرغم من إيمان خلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته فستر وجوده، لأن الكفر يعني الستر وهو علامة على وجود الله فلا يستر إلَّا موجود، فكان الكفر دليل الإيمان فإن المؤمن أيضًا قّبِلَ مختارًا الإيمان بالله ودخل في عقد مع الله بحب وقبول نفس ورضا قلب وعشق دون ضغط أو إكراه.

فمن أراد أن يؤمن آمن بحرية ومن أراد أن لا يؤمن لا يؤمن بحرية، وإذا كان الإنسان مخيَّر في القليل ومسيّرًا في الكثير في الحياة، فإن المسلم رضي باختيار الله له في أمور التخيير، فأصبح مسيِّر بدلًا من أن يكون مخيَّر من خلال الامتثال لأوامر الله والتزام نواهيه، فكان ذلك علامة بارزة على إيمانه وانتقاله من التخيير إلى التسيير، طبقًا للآيات واضحة الدلالة في منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة.

وقوانين التخيير والتسيير المتعلقة بوجود الإنسان وحياته على الأرض، هي التي حددت الخيارات للإنسان وجعلت كل إنسان يتحمَّل مسئولية نفسه في الدفاع عن نفسه أمام ربه في يوم الجزاء.

ومن هنا كان المعيار اللازم لمعايرة الإنسان نفسه بمقام التخيير أو مكانة التسيير، لأنَّه سوف يتحمل النتيجة على كلامه وأفعاله وأعماله في الآخرة مقهورًا ورغمًا عن أنفه بعد أن تخلى عنه جسده فأصبح مسيرًا.

وهذه القيمة الرمضانية العظيمة التاسعة والتي يجب علينا أن نتعلمها من منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة وأفصح لنا فيها رمضان عن الدائرة الثانية في الدنيا في أن الله سبحانه وتعالى قد خيَّر البشر بين الإيمان والكفر مع وجود كل الدلائل والبراهين والآيات التي تؤكد وجوب الإيمان بالله سبحانه وتعالى لا الكفر به.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »