مقالات

(76) مصر… في الحج 

الحجارة تُمثِّل حجر الأساس والعمود الفقري الذي تقوم عليه الأرض في ثبات الجبال كالأوتاد، بأنواعها المختلفة وأشكالها المتباينة، فمنها الجيري بأنواعه المختلفة والصخري بأنواعه المتميزة، ولولا الحجارة ما وجدت الجبال، ولولا الجبال ما حافظت الأرض على استقرارها واتزانها، ولولا الأرض ما وجد الإنسان، ولا عاش عليها لحظة في الحياة، قال تعالى: “أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا” (النبأ: 6- 7).

فالجبال لها عقل ولها حرية اختيار، مثل السماوات والأرض ومثل الإنسان، فقبلت الجبال بأن تكون مسيرة لا أن تكون مخيرة مثلها مثل السماوات والأرض، فخالقها أعلم بحالها، فكانت أعقل من الإنسان.

قال تعالى: “إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا” (الأحزاب: 72).

ونسي الإنسان أو تناسى أنه لا يعرف شيء يذكر عن حاله، ولا تكوين جسده وروحه، فجسده يمثل 0.01%، بينما روحه تمثل 99.99%، وبالرغم من ذلك الجهل المطلق والعلم الأمي، يتطاول على المخلوقات الأخرى التي تعيش على طاعة الله، وتموت وتفنى على الخوف والخشية من الله.

حجر الأساس.. الإنسان لا يعرف شيء عن خلاياه إلا بالعلم المحدود

وإذا كان الإنسان لا يعرف شيئًا عن خلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته ومكونات جسده، إلا بالعلم المحدود الذي لا يعرف عنه إلَّا قليل القليل، والذي يصل إلى حد العدم، في الخريطة الجينية البشرية والحامض النووي الذي يمثل عقل الخلية والذي لا يتجاوز المعرفة فيه أقل من 0.01%، بينما المجهول من الحامض النووي يمثل 99.99%، فما الذي يعرفه الإنسان بشكل علمي عن نفسه وحاله؟ لا شيء.

فهذا الإنسان يعيش في غيبوبة فلا يعرف شيء عن نفسه، ولا عن الحياة من حوله ولا الكون الذي يعيش فيه وتحته، فمعرفته بنفسه وأمور حياته هي والعدم سواء، فلا يعرف شيء عن نفسه من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، وفي جسده وتعبيرات وجهه وذاته وروحه وجنانه، سوى أنه خيال مآته، يمشي على الأرض ولا يملك من أمره شيء في الأرض ولا في السماوات، فالأمر كله لله.

 وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يؤكد عظم الاختيار للحجارة في الجبال، التي قبلت أن تكون مسيرة لإرادة الله، لا مخيرة لإرادة نفسها ففازت بالحياة التي خسرها الإنسان.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »