مقالات

(80) نهر النيل في… الإسلام

بالرغم من هدوء نهر النيل وحلمه في سريانه وتدفقه بمائه العذب، إلا أن البحر الأحمر من ناحية أخرى، كان غريب الأطوار في شدته وهيجانه وكان غضبان وثائر ومستعد وجاهز للإجهاز على الفرعون وابتلاع جيشه وحضارته، منتظرًا تنفيذ الأمر من الله سبحانه، وبعد نجاة موسى عليه السلام وقومه وعبروا البحر، جاء الأمر بترك البحر كما هو حتى يبتلع الفرعون وجيشه.

قال تعالى: (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ) الدخان: 24.

فمن ناحية، كما كان نهر النيل رحيمًا بموسى في رضاعته كان البحر الأحمر رحيمًا بموسى وقومه، مشفق عليهم رؤوف بهم بأمر من ربه، فنجاه وقومه فشق لهم طريق في البحر، يابس لا طين فيه ولا يخشى فيه من الغرق.

قال تعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ) طه: 77.

ومن ناحية أخرى كان البحر الأحمر غاضب وهائج وثائر ومتوحش وشرير على الفرعون وجيشه، فأظهر العين الحمراء للفرعون وجنوده ثم ابتلغهم ونكل بالفرعون شر تنكيل، فخنقه ومات غرقًا، دون أن تدخل نقطة ماء جسده، حتى يحافظ على بدنه، فقضى عليه وعلى حضارته.

قال تعالى: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ أليمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى) طه: 78- 79.

وما بين الرأفة والعنف والرحمة والشدة، تبرز رحمة الله للطائعين من خلقه في موسى عليه السلام وقومه، وعذابه للعاصين من خلقه في الفرعون وقومه، حتى تكون هناك عبرة وعظة لمن نجى ومن غرق من طرفي النزاع والعبرة والعظة، قائمة ومستمرة لكل من يأتي بعدهما، جيل بعد جيل إلى قيام الساعة في كل ما حدث وكان ولا يظلم ربك أحدًا.

إنها ملحمه كبرى ومعركة عظمى وحرب مشتعلة، حامية الوطيس بين الحق والباطل، قطبيها الماء، فالنيل كان مأمورًا، فحمل موسى عليه السلام إلى قصر الفرعون، وسلمه له ولحاشيته، مع أن موسى طفل رضيع، وطبقًا للطقوس الفرعونية، كان من المفروض أن يكون في عداد الموتى بعد ذبحه على أيدي جنود الفرعون وجواسيسه في سنة الذبح المقررة في قانون الفرعون.

ولقد همَّ الفرعون في أكثر من مرة ومناسبة، من ذبح موسى في قصره ولكن كانت قوة الله وعنايته، تلاحق موسى بعد أن حنن الله عليه قلب زوجة الفرعون وخدمة وحشمه والمحيطين به، كما حفته رعاية الله ورحمته من أذى وبطش الفرعون.

قال تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عليكَ مَحَبَّةً مِنِّي) طه: 39.

هدوء نهر النيل وحلمه

فكان نهر النيل بمائه العذاب، حامي حمى موسى في حال ضعفه في طفولته، وهو طفل رضيع من الذبح وكان البحر الأحمر بمائه المالح، حامي حمى موسى وقومه، عند بلوغه سن الرشد، وكان سببًا في نجاتهما من بطش الفرعون، وفي نفس الوقت كان سببًا في غرق وهلاك الفرعون وقومه ودمار حضارته.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »