مقالات

برنامج البعث والفناء في الدنيا وأهميته في الحفاظ على حياة الكون والإنسان

لطالما حير الإنسان على مدى الدهور والأزمان، العملية المتتابعة لخلق الكون وخلق الإنسان وانتقال كل منهما من مرحلة إلى أخرى في رحم الكون أو رحم الأم.

ومن ثمَّ خروج كل من الكون والإنسان إلى الحياة، بعد الخلق الأول للكون من ذرة الهيدروجين، والخلق الأول لآدم عليه السلام من التراب، والمطمور فيه ذريته إلى نهاية الحياة.

وكان خلق الكون من ذرة الهيدروجين معجزة إلهية بكل المقاييس العلمية والبشرية، فصناعة الكون وتقنية خلقه انبثقت من أصغر مكون ذري.

المتمثل في ذرة هيدروجين التي تتكون من بروتون موجب في النواة وإلىكترون سالب البرتون يدور حولها في حلقات وبينهما فراغ هائل يمنع ارتطام الإلكترون.

الذي يحمل الشحنة السالبة على البرتون الذي يحمل الشحنة الموجبة، فكان الكون وكانت الحياة.

وبعد أن خلق الله سبحانه وتعالى الكون في ستة أيام، كانت الأرض أول ما خلق في الكون بالرغم من صغر حجمها.

فاستغرق خلقها وكمال تكوينها أربعة أيام، فخلقت الأرض في يومين، وجعل فيها الجبال الرواسي وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في يومين.

ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أتيا طوعًا أو كرهًا، قالت أتينا طائعين، فقضاهن سبع سموات في يومين، وأوحي في كل سماء أمرها.

وكانت المصابيح التي تشغل حيزًا ضئيلًا من نصيب السماء الدنيا والتي زينت بها كي تحفظها من الانهيار.

بالرغم من احتوائها على الفراغ والمادة المظلمة والطاقة مظلمة، وكواكب ونجوم ومجرات وسدوم وبخار ومكانس كونية في صورة ثقوب سوداء.

كي تقوم بصيانة ذاتية ودائمة للكون على مدارة حياته بشكل مبرمج ومنهج  فكانت الكواكب والنجوم لتنير الكون وتزينه وتحفظ وجوده.

مصداقًا لقوله تعالى: “قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ • وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ• ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ • فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعلىمِ” (فصلت/ 9-12 ).

وبعد استتباب الأمن والسلام في الكون، ووجد فيها كل أسباب استبقاء حياة المخلوقات، خلق الله سبحانه وتعالى آدم من تراب بمعجزة إلهية بكل المقاييس العلمية والبشرية.

حيث لعبت فيه القدرة الإلهية الدور المحوري، عندما خلق الله سبحانه وتعالى أدم علىه السلام بيديه من تراب بمراحله المختلفة ليكون مادة الخلق الأولي.

ثم نفخ فيه من روحه ليكمل دائرة النفس الإنسانية والحياة، بعد التقاء الروح بالجسد، ليشكلا معًا مسيرة الإنسان في الحياة.

وكانت آلية خلق أدم علىه السلام، من جماد، على هذا الشكل والمنوال غير المسبوق، وإسجاد الملائكة له، يؤكد أهمية الدور المحوري الذي سوف يلعبه هذا المخلوق الجديد في الحياة الدنيا.

ولذلك لا يمكن أن يترك لوحده في الحياة، بل خلق منه زوجته حواء من ضلعه الأيسر، كي تتحمل معه أعباء الحياة.

وتتقاسمها معه بخيرها وشرها، وحلوها ومرها، ليؤكد مدى الصلة الوطيدة بين الزوج والزوجة، في تكوين إسرة أساسها المودة والرحمة، وقابلة للإستمرار في الحياة قوامها الرجل والمرأة من أجل عمارة الكون .

وكان هناك الخدم من الملائكة، والحيوانات والطيور والحشرات والنباتات والجمادا وغيرها من المخلوقات، الذين خلقهم الله سبحانه وتعالى في الحياة، قبل خلق آدم.

كي يقدموا له فروض الطاعة والولاء عن رضا وطيب خاطر، امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى مما يؤكد الأهمية القصوى التي أولاها الله سبحانه وتعالى.

لإنجاح تجربة أدم علىه السلام وأبناءه وأحفاده، على الأرض، فوضع كل الضوابط اللازمة لنجاح هذه التجربة وإستمرارها في الحياة إلى حين .

وكان موقف الشيطان وعداءه، من خلق أدم، دليل على تمترس جذور الكراهية التي يكنها الشيطان وأتباعه لأدم وذريته.

ودليل على مدى الاهتمام الواسع من قبل الله تعالى، بأهمية توعية الإنسان، من أجل حمايته ومنعه من الوقوع في براثن الهوي والشيطان، على مدار الزمان.

وكان لزامًا من أجل نجاح هذه التجربة الإنسانية الفريدة على الأرض، والمتمثلة في آدم وذريته، أن يتم توجيه آدم وذريته إلى الأهمية القصوي لمعرفة قيمة الحياة التي تربطه بربه وتربطه بمن حوله، وأهمية فهم حقيقتها حتي يتمكن من العبور الأمن من الدنيا إلى الآخرة.

وتتبدى حقيقة هذه القيمة عندما يتم تدشين قيم الحق والعدالة والمساواة بين الناس، حتى ينجح آدم في خلافته.

وحتي يتمكن من القيام بمهام هذه الخلافة على الأرض، باعتبار أنها تحقق له ولذريته مصلحة عاجلة في الدنيا، في وجود الأمن والأمان والإستقرار المؤقت في الدنيا، ومن ثم التأمين الكامل والشامل والدائم في الآخرة.

واختار الله سبحانه وتعالى بعناية فائقة وحكمة بالغة، لهذه المهمة الجليلة، الملائكة المكلفين بالاتصال بالأنبياء والمرسلين من ذرية آدم.

من أجل القيام بهذا الدور المحوري، في تعريفهم بالله سبحانه وتعالى، ومن ثم ربط أبناء أدم بمجمل القيم والأخلاق المبادئ التي يجب أن يتحلون بها.

حتى يكونوا على علم ودراية بمسلكهم في الحياة، فيمكن محاسبتهم على الإيمان بكلياته في العقيدة والعبادة والمعاملة.

التي تحقق لهم النفع والفائدة في الحياة، وبعد الممات، أمام الله سبحانه وتعالى، من أجل حمايتهم من الوقوع في فخ الشيطان.

فكان أهمية تبصيرهم بمعرفة الله سبحانه وتعالى، وأهمية وجودهم في الحياة.

وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلق آدم عليه السلام في البداية بيديه، إلا أن طلاقة القدرة جعلت من برنامج البعث والفناء الدور المحوري، في خلق آدم من تراب، وخلق بناء آدم من بعده، داخل الرحم.

ثم استمرار هذا الدور المميز لإلىه عمل هذا البرنامج بشكل معجز لا شبيه له ولا مثيل، فأصبح له الهيمنة والسيطرة الكاملة على شئون الكون والحياة.

ويبدو أن هذا البرنامج هو الذي يدير حياة الكون والحياة، بشكل متقن ومعتبر، بحيث يدخل كل الكائنات الحية، في دورة البعث والفناء على مدار اللحظة في حياتهم.

وفي نفس الوقت فإن استعلاء برنامج البعث بعمله ونشاطله على برنامج الفناء المعطل بشكل جزئ يربط الإنسان بالحياة الدنيا، ويحافظ عليها، في وجود برامج حماية كاملة ودائمة لاستمرار عمل برنامج البعث في الحياة.

أما إذا توقف برنامج البعث أو تم تعطيله، خرج عن هذه الحماية الموكولة إليه بشكل ذاتي وتقني، وذهب بشكل قصري إلى برنامج الفناء الذي ينهي الحياة، في سلسلة متصلحة الحلقات، بحيث لا يمكن فصل كل حلقة عن الحلقة الأخري.

ومن هنا كان إعجاز برنامج البعث والفناء الذي يمثل حياة الكون والإنسان وسائر الكائنات الحية، والمحصورة بين دفتي برنامجي البعث والفناء.

لهما السيطرة التامة والهيمنة الكاملة، على كل ما يتعلق بالحياة والموت، وهذا مؤشر على مدى قدرة هذا البرنامج في السيطرة والهيمنة على الحياة والفناء.

والذي لا يمكن إيقافه أو تعطيله،مهما وصل الإنسان من علم ولا بلغ من تقدم في مجال الكون والحياة.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »